تشرشل القروي- حكمة ودهاء في أساليب الحياة وإدارة الأزمات.
المؤلف: علي بن محمد الرباعي11.01.2025

في ربوع قرية نائية، بزغ نجم شخصية فذة، تجسد روح رئيس الوزراء البريطاني الأسطوري، ونستون تشرشل، الذي قاد بريطانيا في حقبتين عصيبتين (1940-1946) و (1951-1955). هذا القروي، ذو القامة المتوسطة، والرأس الأصلع اللامع، والعشق الأزلي للتدخين، كان صورة طبق الأصل لأحد أقطاب السياسة في النصف الثاني من القرن العشرين، ولا يضاهيه في الذكاء والدهاء إلا قليلاً. فإذا كان تشرشل لا يفارق سيجاره الكوبي الفاخر (كوهيبا)، فإن القروي يستمتع بلفائف التبغ الخضراء في أوراق تقليدية، قبل أن يروي ظمأه بوجبة شهية. وإذا تجرأ نمام على اقتحام خلوته الصباحية حاملاً معه المشاكل، كان يستقبله بفرح وابتهاج، معتقداً أن "اليوم الذي يخلو من المشاكل، هو يوم ممل كالعجوز الشمطاء". ثم يطلب من حامل الفتنة أن يمنحه ساعة من وقته الثمين، ليضعها في "الكور"، كما يطلق على رأسه المفكر، وينغمس في صمت عميق، يستنشق دخان سيجارته بشغف، وينشرح صدره عندما يرى الدخان يتصاعد في أرجاء منزله.
لم يحظ القروي بشرف مقابلة تشرشل شخصياً، وربما لم يسمع باسمه طوال حياته، لكنه كان يتمتع بفراسة حادة، وحس دعابة لاذع، وقدرة فطرية على إدارة الأزمات المعقدة. وكثيراً ما كان يردد مقولة "إذا أردت أن تزيد أعدائك، قلل من أصدقائك"، وكأنه استلهم مقولة تشرشل الشهيرة "نحن بحاجة إلى الخصوم بقدر حاجتنا إلى الحلفاء". كان يرى في كثرة الأعداء بركة ونعمة، لأنهم يحفزونه على إطلاق العنان لإبداعه في ابتكار الحلول، ويحركون مصنع الاحتواء والإقصاء لديه. ومن شدة بأسه في بعض المواقف الضعيفة والمتخاذلة، كان يسارع إلى التخلص من أقرب المقربين إليه، متمسكاً بمقولة "الذهب الخاوي للكلب العاوي والذئب الطاوي". وكثيراً ما كان يترنم بحكمة "رأس تعرف ديته أقطعه".
لم يكن القروي التشرشلي شخصاً شريراً بطبعه، ولكنه كان يؤمن إيماناً راسخاً بأن بعض الناس إن لم تشغلهم أشغلوك، ولطالما حذر من الضعيف الذي يستقوي، والفقير الذي يغتني. وبحكم ما عاناه في حياته من صعاب وأهوال، أصبح بارعاً في اللعب على جميع الحبال. كان يقبض من الظالم مقابل الالتزام بدعمه وتعزيز ظلمه، ويقبض من المظلوم مقابل وعدِ مناصرته واستعادة حقوقه المسلوبة، ولكنه كان يطلب من المظلوم أن يمنحه بعض الوقت، ولا ينساه من الهدايا والقرابين. كان أستاذاً في فن تحقيق التوازنات الدقيقة.
كان يعتمد في كثير من الأحيان على مقولة الإمام الشافعي "إن سوء الظن من حسن الفطن". وإدراكاً منه لصعوبة إرضاء جميع الناس، كان يوازن بحكمة بين تقريب البعيد وإبعاد القريب. وكانت له حكمة مفادها "لو وضعت الناس كلهم في عينك، وواحد منهم موضعه طرف العين، سيغضب ويقول: لماذا تطرفني؟".
وفي موسم الشتاء القارس، كان صاحبنا يرفع من شأن "أهل الوبر"، فيمتلئ مجلسه بالزائرين القادمين بالصوف والسمن الثمين. وفي فصلي الخريف والصيف، كان يصادق "أهل المدر"، لتأتيه صواع الحنطة والذرة الوفيرة. ومما يأتي به الوافدون، كان يطعم أهله وضيوفه، وهو لا يذوق منها شيئاً.
كان يستهلك جزءاً كبيراً من ثروته، انطلاقاً من قناعته بأهمية التخطيط لكل شيء، حتى الماء الذي يجلبه من البئر.
وكان أكبر ما يشغل باله في نهاره وليله، هو رصد ما يقال عنه، وما يدور في المجالس عندما يغيب عنها. وكان لديه مراسلون ينقلون إليه على مدار الساعة كل ما يجري وما جرى. وكان يسمي الفقيه بـ "الطلياني"، بحكم السنوات التي قضاها في الحبشة وتعامل فيها مع الإيطاليين. وكان يبرر هذه التسمية الغريبة بقوله "يعتني بثوبه ولا يبدي عذروبه".
كان التشرشلي القروي يتفادى حضور المشكلة في بدايتها، معتقداً أنها تشبه شرارة النار، ترتفع وتتسع بسرعة، ويمكن أن تلحق الضرر بكل من حولها. كان يعارض إخماد النار بشكل كامل، ويفضل تدويرها بحصى صغيرة، ليحجمها ويقلل من خطرها، فلا يدعها تموت تماماً، ولا يسمح لها بالانتشار بشكل مفرط. كان يرى أن الحكمة تقتضي قبل إطفاء الحرائق إشعال حرائق أخرى، وكأنه تشرشل عندما قال "نحتاج إلى حرب لكي ننهي الحرب".
لم يكن هذا الرجل المحنك ينسى الانتقام أبداً، ولكنه كان يفضل التريث في رد الصاع صاعين، معتقداً أن "لا تنتقم من خصمك حتى ينسى إساءته لك". وكان يحذر أبناءه من الشبع المفرط، ويرفض تلبية جميع احتياجاتهم، قائلاً لهم "لو شبعتم لتفقعتم، والفقر تأديب". وكان يدعوهم إلى الإكثار من شرب الماء، فالماء عنده يسد الجوع، وليس مكلفاً.
كان يعشق المشي بحذاء متهالك، على الرغم من قدرته على شراء حمارة يركب عليها، ويقضي بها مشاوير استيفاء الديون. ولكنه كان يرد على من يسأله عن سبب عدم شراء حمار يريحه من عناء المشي، قائلاً "إن كان ما بيرفع قدري إلا المركوب، جعله ما يرتفع لين تقوم ناقة صالح". ويضيف ساخراً "كم من راكب وهو مركوب".
ظل "تشرشل الأب" يوصي ولده "تشرشل الابن" قائلاً "اللي يدق عند عينك دق عن عيونه الثنتين، لكن لا تعميه. بقّ له ما يبصر به لينفك منك، وجاء على البيض بيض فقّسه". فالابن تفوق على أبيه، وقطف من شجرة الخبرة أعظم الثمار وأكثرها نضوجاً.
كان لتشرشل دكان صغير لبيع المواد الغذائية، يغطي به على نشاط المداينة المشبوهة. وكان مبدأه في البيع والشراء بسيطاً وواضحاً "إذا أشرت على بضاعة، فيجب عليك أن تشيلها". ويقول "تشّر.. شيل"، ومن هنا أطلق عليه أصدقاؤه ومعارفه لقب "تشرشل".
لم يحظ القروي بشرف مقابلة تشرشل شخصياً، وربما لم يسمع باسمه طوال حياته، لكنه كان يتمتع بفراسة حادة، وحس دعابة لاذع، وقدرة فطرية على إدارة الأزمات المعقدة. وكثيراً ما كان يردد مقولة "إذا أردت أن تزيد أعدائك، قلل من أصدقائك"، وكأنه استلهم مقولة تشرشل الشهيرة "نحن بحاجة إلى الخصوم بقدر حاجتنا إلى الحلفاء". كان يرى في كثرة الأعداء بركة ونعمة، لأنهم يحفزونه على إطلاق العنان لإبداعه في ابتكار الحلول، ويحركون مصنع الاحتواء والإقصاء لديه. ومن شدة بأسه في بعض المواقف الضعيفة والمتخاذلة، كان يسارع إلى التخلص من أقرب المقربين إليه، متمسكاً بمقولة "الذهب الخاوي للكلب العاوي والذئب الطاوي". وكثيراً ما كان يترنم بحكمة "رأس تعرف ديته أقطعه".
لم يكن القروي التشرشلي شخصاً شريراً بطبعه، ولكنه كان يؤمن إيماناً راسخاً بأن بعض الناس إن لم تشغلهم أشغلوك، ولطالما حذر من الضعيف الذي يستقوي، والفقير الذي يغتني. وبحكم ما عاناه في حياته من صعاب وأهوال، أصبح بارعاً في اللعب على جميع الحبال. كان يقبض من الظالم مقابل الالتزام بدعمه وتعزيز ظلمه، ويقبض من المظلوم مقابل وعدِ مناصرته واستعادة حقوقه المسلوبة، ولكنه كان يطلب من المظلوم أن يمنحه بعض الوقت، ولا ينساه من الهدايا والقرابين. كان أستاذاً في فن تحقيق التوازنات الدقيقة.
كان يعتمد في كثير من الأحيان على مقولة الإمام الشافعي "إن سوء الظن من حسن الفطن". وإدراكاً منه لصعوبة إرضاء جميع الناس، كان يوازن بحكمة بين تقريب البعيد وإبعاد القريب. وكانت له حكمة مفادها "لو وضعت الناس كلهم في عينك، وواحد منهم موضعه طرف العين، سيغضب ويقول: لماذا تطرفني؟".
وفي موسم الشتاء القارس، كان صاحبنا يرفع من شأن "أهل الوبر"، فيمتلئ مجلسه بالزائرين القادمين بالصوف والسمن الثمين. وفي فصلي الخريف والصيف، كان يصادق "أهل المدر"، لتأتيه صواع الحنطة والذرة الوفيرة. ومما يأتي به الوافدون، كان يطعم أهله وضيوفه، وهو لا يذوق منها شيئاً.
كان يستهلك جزءاً كبيراً من ثروته، انطلاقاً من قناعته بأهمية التخطيط لكل شيء، حتى الماء الذي يجلبه من البئر.
وكان أكبر ما يشغل باله في نهاره وليله، هو رصد ما يقال عنه، وما يدور في المجالس عندما يغيب عنها. وكان لديه مراسلون ينقلون إليه على مدار الساعة كل ما يجري وما جرى. وكان يسمي الفقيه بـ "الطلياني"، بحكم السنوات التي قضاها في الحبشة وتعامل فيها مع الإيطاليين. وكان يبرر هذه التسمية الغريبة بقوله "يعتني بثوبه ولا يبدي عذروبه".
كان التشرشلي القروي يتفادى حضور المشكلة في بدايتها، معتقداً أنها تشبه شرارة النار، ترتفع وتتسع بسرعة، ويمكن أن تلحق الضرر بكل من حولها. كان يعارض إخماد النار بشكل كامل، ويفضل تدويرها بحصى صغيرة، ليحجمها ويقلل من خطرها، فلا يدعها تموت تماماً، ولا يسمح لها بالانتشار بشكل مفرط. كان يرى أن الحكمة تقتضي قبل إطفاء الحرائق إشعال حرائق أخرى، وكأنه تشرشل عندما قال "نحتاج إلى حرب لكي ننهي الحرب".
لم يكن هذا الرجل المحنك ينسى الانتقام أبداً، ولكنه كان يفضل التريث في رد الصاع صاعين، معتقداً أن "لا تنتقم من خصمك حتى ينسى إساءته لك". وكان يحذر أبناءه من الشبع المفرط، ويرفض تلبية جميع احتياجاتهم، قائلاً لهم "لو شبعتم لتفقعتم، والفقر تأديب". وكان يدعوهم إلى الإكثار من شرب الماء، فالماء عنده يسد الجوع، وليس مكلفاً.
كان يعشق المشي بحذاء متهالك، على الرغم من قدرته على شراء حمارة يركب عليها، ويقضي بها مشاوير استيفاء الديون. ولكنه كان يرد على من يسأله عن سبب عدم شراء حمار يريحه من عناء المشي، قائلاً "إن كان ما بيرفع قدري إلا المركوب، جعله ما يرتفع لين تقوم ناقة صالح". ويضيف ساخراً "كم من راكب وهو مركوب".
ظل "تشرشل الأب" يوصي ولده "تشرشل الابن" قائلاً "اللي يدق عند عينك دق عن عيونه الثنتين، لكن لا تعميه. بقّ له ما يبصر به لينفك منك، وجاء على البيض بيض فقّسه". فالابن تفوق على أبيه، وقطف من شجرة الخبرة أعظم الثمار وأكثرها نضوجاً.
كان لتشرشل دكان صغير لبيع المواد الغذائية، يغطي به على نشاط المداينة المشبوهة. وكان مبدأه في البيع والشراء بسيطاً وواضحاً "إذا أشرت على بضاعة، فيجب عليك أن تشيلها". ويقول "تشّر.. شيل"، ومن هنا أطلق عليه أصدقاؤه ومعارفه لقب "تشرشل".
